الطاهر الحداد

«لقد سَبَقَ هذا الفَتَى قَوْمَهُ بِقَرْنَيْنِ»، هذا ما قاله عميد الأدب العَربي « طه حسين » واصِفا به النابِغَة « الطاهر الحداد ».

هو طاهر بن علي بن بلقاسم الحداد وُلد بتونس العاصمة سنة 1899 وتُوفي في 7 ديسمبر 1935. هو مُؤلف، نقابي، مُفكر ومُنظِّر تونسي، جَمع بين النِّضال السِّياسي ضدَّ تجاوزات المُستعمر الفرنسيّ والنضال الإجتماعيّ ضدّ العَقليات المُنْغَلِقة السائدة في تلك الفترة وضدَّ التَّهميش وسَلْبِ حُقوق العمال والشَّغالين ولا نَنْسَى نِضالَه المُستميت ودورَه الإصلاحيّ للدِّفاع عن حُرّيات وحُقوق المرأة وإيلائها المَكانة المَرموقة التي تَستحقُّها.

نشأ في وسط مُتواضع، إذ تلقَّى تعليمه الإبتدائي في الكتّاب، ثم أتَمَّ دراسته في جامع الزيتونة أين تحصَّل على شهادة التطويع. بعد ذلك الْتَحق بمدرسة الحقوق العليا التونسية وحُرِمَ من الحصول على شهادة الحقوق وطُرِدَ من قاعة الإمتحان بأمْرٍ ملكيٍّ لِمَا احتَوت مُؤلفاته من أفكار تَحَرُّرِيَّةٍ وُصِفَت بتخطِّيها للأعْراف والثَّوابت الدينية.

اشتَغل الطاهر الحداد في بداياته مَاسك دفاترٍ وكاتبا بالجمعية الخيْرية ثم بَدأ نَجمه بالسُّطوع عندما حَوَّلَ إليه الأنظار بكتاباته التَّنويريَّة والإصلاحيَّة في العديد من الجَرائد التونسيَّة وانضَم بذلك كأحد مُؤسِّسي الحزب الحرّ الدستوري التونسي سنة 1920 ليكون أحد أبْرَز الأحْرارِ الدُستوريين.

كان الطاهر الحداد مُهتما بالنشاط السِّياسي والنَّقابي داخل الحزب الحرّ الدستوري القديم وخاضَ نِضالا شَرسا ضِد المُستعمر الفرنسي الذي يَنهَب خَيرات البلاد ومِن أجلِ تَكريس حقوق العُمال والطَّبقات الإجتماعيَّة الفقيرَةِ.

كان ذو قلم مُتمرِّدٍ وكان وَطنيًّا غَيورا لا يَسمحُ للعاداتِ الفاسِدة وللأوْهام البَالية وللأفكار الظَّلاميَّة وللآراء الرِّجعية أن تُبقِى وطنه مُكبَّلا، عَبْدًا وتابِعا لها.

بل كان يُدافع بلا هَوَادَةٍ عن ضَرورة إصْلاح المُجتمع التونسي بداية من العائلة، فَنادَى بِتحرير المرأة التونسية ومَنْعِ تعدُّد الزَّوجات في العالم المسلم وسَعى إلى نَشْرِ أفكارٍ حول المُساواة بين الجِنسين في الحُقوق كحَق التعليم وحَق الشغل وحَق مُمارسة الرياضة للفتيات وحاول تغيير الطَّبائع والعادات البالية التي يعاني منها المُجتمع، وأَلَّفَ العَديد من المقالات الصَّحفية والكُتب المُهمة في هذا الشأن، من أبرزها:

كتابه « إمرأتُنا في الشَّريعة والمُجتمع » سنة 1930 وكِتاب تحت عنوان « التعليم الإسلاميّ وحركةُ الإصلاحِ في جامع الزيتونَة ».

اعتُبِرت كُتبه وأفكاره ثورةً حقيقيةً غير مَسبوقة مِمَّا أجَّج حوله موجَة من الإنتقادات وجُرّد من شهائده العِلمية ومُمارسة أبسط حُقوقه المواطنية ومُنِع من العمل وتَمَّ حَجزُ كتبه، كما هاجمه العُلماء والمشايخ من كل أصقاع الوطن العربي واتُّهِم بالزَّندقَة والخروج عن ثَوابت الدين.

لم يَستطع الحداد أن يُواصل نِضاله وخاصة عندما نُبِذَ من المُجتمع التونسي والعربي فآثَرَ الانطِواء والعُزلة إلى أن تُوفي سنة 1935 ولم يَسِرْ في جنازته سوى النَّفْرُ القليل من مُحبيه والمُتبنِّين لأفكاره.

 لم تَر مُؤلفاته النُّور إلا بعد الاستقلال سنة 1956 أي بعد وَفاته بفترة من الزمن وأصبحت لأهَميتِها مَرجعا أساسيا في صِياغة القوانين ، فأُنشِئت « مجلة الأحوال الشخصية«  الصادرة في 3 أوت 1957 التي تَحمي حُقوق المرأة وتُزيح عنها قَيْدَ العُرْفِ و التَّقاليد و سُنَّت قوانين مُؤطرة للمنظومة التربوية التي أَقرت المساواة بين الجنسين في التَّمتُّع بحق التعليم المجاني والإجباري سنة 1958، وأُصدِر قانون الانتِخاب الذي أَقَرَّ حق المرأة في أن تكون ناخبة ومُنتخبة، و سُنَّ قانون الشُّغل والوظيفة العُمومية اللذان يَمنعان التَّمييز في الأُجور أو الامتيازات لِصالح الرجل و يُقدِّمان بعض الإمتيازات للمرأة الأمّ.

اطلع أيضا على:

– مجلة الأحوال الشخصية التونسية

لمحة عن تاريخ تونس

الحبيب بورقيبة

Voir également

الحبيب بورقيبة – Habib Bourguiba

  هو الرجل الذي أطلقت عليه ألقاب شتى، فهو « المجاهد الأكبر » وهو أيضا « صانع الأمة »، هو «…