لمحة عن تاريخ تونس

Histoire de la Tunisie

لمحة عن تاريخ تونس:
تونس دولة عربية مسلمة تقع شمال القارة الإفريقية، سُمِّيت في السابق إفريقية وتعاقبت عليها الحضارات والسُّلالات الحاكمة على مر التاريخ. حضِيَت بموقع استراتيجي مُميّز في قلب حوض البحر الأبيض المتوسط وبأراضي خصبة وثروات طبيعية هامة وهي غنية بموروث ثقافي متنوع نتاج لما مرَّت به من فترات قوة وازدهار في عدة مجالات تارة ومن فترات خيبة وهزائم تارة أخرى. تعود جذور النشاط الإنساني في منطقة شمال إفريقيا إلى فترة ما قبل التاريخ، إذ تمَّ العثور على آثار حجارة مخروطية الشكل (تعبر عن معتقدات دينية) بمدينة قفصة حاليا.

* الحضارة القبصية : تُعتَبر الحضارة القبصية الممتدة من 6.800 ق.م. إلى 4.500 ق.م. كأول تجمع سكاني منظم بقوانين ومعتقدات دينية في منطقة شمال إفريقيا ويظن الباحثون أن السكان الأصليين للبلاد هم البربر الأمازيغ.
* عُرفت المنطقة بنشاط تجاري كبيرو بآنفتاح حضاري مما ساهم في قدوم الفينيقيين إليها سنة 1101 ق.م وكان لتأسيس عليسة « لقرطاج » (قرط جدشت أو المدينة الجديدة) والاستقرار فيها سنة 814 ق.م الأثر الكبير لمزيد من الإزدهار والتألق. قام القرطاجيون بِبَسط نفوذهم والسيطرة على حركة التجارة وظهرت بذلك قوة إقتصادية عظمى تدعى « الإمبراطورية القرطاجية » (814 ق.م -146 ق.م) التي توسعت رقعتها لتشمل جزءا كبيرا من سواحل البحر الأبيض المتوسط.

* الفترة الرومانية: ومع قدوم الرومان إلى شبه الجزيرة الإيطالية وتأسيسهم مدينة روما سنة 753 ق.م آحتدم الصراع مع القرطاجيين مما أدى إلى نشوب سلسلة من الحروب اشتهرت باسم « الحروب البونيقية » التي انتهت بهزيمة القرطاجيين وبزوال قرطاج وخراب المدينة (سنة 264 ق.م-146 ق.م.). عندئذ قام الرومان بإنشاء « أفريكا » لتكون أول مقاطعة رومانية بشمال إفريقيا.
آمتدت الفترة الرومانية في منطقة شمال إفريقيا من (146 ق.م -431 م) وبدأت أشغال إعادة بناء مدينة قرطاج من طرف الامبراطور الروماني يوليوس قيصرثم مع أوغيست وآنتقلت العاصمة من أوتيكا إلى قرطاج.
أصبحت تعرف « بمطمورة روما » وهي تُعدُّ أكبر مخزن حبوب لروما وذلك لأهمية إنتاجها الفلاحي وخاصة إنتاج الحبوب وزيت الزيتون.
كما ازدهرت المنطقة على جميع الأصعدة ومازالت الآثار شاهدة على ذلك خاصة في فن العمارة فأُنشأت الحمامات والمعابد والمسارح نصف دائرية ودائرية وزُيِّنت بلاطات وقصور الأثرياء باللوحات الفسيفسائية التي تنوعت مواضيعها (مشاهد صيد، مصارعة، مشاهد عن الحياة اليومية، مشاهد عن الأعمال الفلاحية، مشاهد تبرز المعتقدات والآلهة).
ومن بين أهم المدن المعروفة أذكر: هدرومتوم (سوسة)، نيابوليس (نابل)، توقا (دقة)، مكتريس (مكثر)، سيكا فينيريا (الكاف)، أوينا (أوذنة)، تيسدروس (الجم) وغيرها من المدن.
كانت هذه المدن ذات نمط روماني واختلفت أدوارها، زراعي، عسكري (لتوطين الجيوش الرومانية وعائلاتهم)، سياسي، ثقافي، تجاري وديني.

* المملكة الوندالية: ثم جاءت فترة المملكة الوندالية (439 -533م) لتستولي على إفريقيا الشمالية بعد أن تركوا إسبانيا تحت قيادة ملكهم جنسريق واتخذوا من بونة عاصمة لمملكتهم.
والونداليون هم ورثة الامبراطورية الرومانية، إذ لمَّا لمَسوا بداية ضعف روما وتمزقها نتيجة حربها مع القوطيين، سارعت للإغارة على قرطاجنة (تونس) والجزائر ومراكش وذلك سنة 439م بمساعدة البربر الذين كانوا يعانون من سلطة روما ويعارضون سياساتهم في الإستيطان وفي نهب خيرات المنطقة.
تعكس فترة المملكة الوندالية إبداعا في فن نحت التماثيل والتوابيت وكذلك في صناعة الحلي والقطع الخزفية والبلورية والفسيفساء، وأكبر دليل على ذلك كنز « مدينة شمتو » الذي يحتوي على مجموعة قيمة من القطع الأثرية.

* الفترة البيزنطية: بعد ذلك جاءت سيطرة البيزنطييون على قرطاج سنة 533 م وحكموا بسياسة قمعية ترتكز على سن جملة من الضرائب أشعلت حنق التجار والسكان، زيادة لاضطهاد ديني بإحياء المسيحسة الأرتدكسية وإلغاء لتقاليد شب عليها المجتمع.

* الفتح الإسلامي: كانت إفريقية من أعظم الفتوح عند المسلمين وغنموا منها أموالا كثيرة.
لم يستسلم البربر بسهولة أمام الفتح الإسلامي واندلعت مقاومة شرسة بقيادة « الكاهنة » البربرية التي عرفت بذكائها الكبير ودهائها العسكري واستطاع المسلمون السيطرة على المنطقة بعد ثلاثة فتوحات متتالية:
– الفتوحات الأولى: سنة 647م ولقبت بفتح العبادلة السبع (قادتها يحملون اسم عبد الله)
– الفتوحات الثانية: سنة 661م
– الفتوحات الثالثة: سنة 670م بقيادة عقبة بن نافع أين أسس مدينة القيروان ثم بقيادة حسان بن النعمان يليه طارق بن زياد. وأصبحت القيروان مركزا للحملات في إفريقية والأندلس والغزوات في البحر باتجاه صقلية وإيطاليا.

* بعد حكم الدولة الأموية ثم الدولة العباسية جاء حكم الأغالبة بقيادة إبراهيم ابن الأغلب ليدوم 109 سنوات وازدهرت الحياة الثقافية وبرز الأدباء والمفكرون وانتشرت العلوم، كما تأسس أسطول بحري قوي ساهم في مزيد التوسع الجغرافي ومثل صدًّا منيعا أمام الغزوات الخارجية التي تهدد الدولة.

* بروز الدولة الفاطمية مردُّه بقايا الحكم الأموي وانتشار المذهب الشيعي في بعض البلدان. دام حكمهم في تونس 64 عاما وانتقلت العاصمة من القيروان إلى المهدية ثم مع فتح مصر أصبحت القاهرة عاصمتهم سنة 973م. تداول على الخلافة الفاطمية أربعة خلفاء وهم عبيد الله المهدي، القائم بأمر الله، المنصور والمعز لدين الله.

* الدولة الصنهاجية: وَلى الفاطميون « بلكين بن زيري بن مناذ الصنهاجي » أمازيغي الأصل على إفريقية وهو مؤسس الدولة الصنهاجية. وعَرفت الدولة ازدهارا في مجال الفلاحة والمعمار إلا أن زحف القبائل البدوية (الغزو الهلالي) سنة 1045م قسم البلاد إلى دويلات (إمارة بنو خرسان في مدينة تونس والوطن القبلي، مملكة بنو الورد في بنزرت، مملكة بنو الرند في قفصة، الصنهاجيون في المهدية) وأدى بها إلى الخراب.

* الفترة الموحدية: عند انهيار الدولة الصنهاجية كثُر الغزاة لذلك تم الاستنجاد بالموحدين في المغرب بقيادة عبد المؤمن بن علي الذي عمل على استرجاع كامل الأراضي التونسية من النورمان وأحكم السيطرة على معظم بلدان شمال إفريقيا وجزء من الأندلس.
ولَّى الموحدون « أبو محمد بن أبي حفص  » سنة 1207م على إفريقية ثم سنة 1228م آستولى « أبو زكريا يحيى بن حفص » على المنصب وأعلن استقلاله عن الموحدين ونصب نفسه سلطانا. عانت البلاد من ثورات القبائل، غزوة صليبية وصراعات على الخلافة ثم غارات الإسبان منذ 1510م.

* وُضِعت البلاد تحت الحماية الإسبانية إلى أن تم طردهم سنة 1574م من قبل العثمانيين بعد سنوات من الصراع بينهم.

بايات تونس: كلمة بَايْ تونس (Bey de Tunis)، هي كلمة تركية الأصل وتعني الأمير، وهو وَالِي للبلاد التونسية ومُمَثِّلا للدولة العثمانية.

من أهم بايات تونس :
رمضان باي الأول (1593-1613) أول باي ليس مرادي / مراد باي الأول (1613-1631) وهو مؤسس العائلة المرادية / حمودة باشا (1631-1666) / حسين باي الأول (1705-1735) مؤسس العائلة الحسينية مع استقلال الحسينيون بحكمهم عن العثمانيين/ علي باي الأول (1735-1756) /محمد الرشيد باي (1756-1759) / علي باي الثاني (1759-1782) / حمودة باشا (1782-1814) هو من يقود البلاد فعليا منذ 1777 وسجل أطول مدة حكم قرابة 32 سنة / المُشِير أحمد باي الأول (1837-1855) /المُشِير محمد باي (1855-1859) / المُشِير محمد الصادق باي (صَاحِبُ المَمْلَكَةِ التُونُسِيةِ) (1859-1882) في تلك الفترة بدأت الحماية الفرنسية (1881) على تونس / علي باي الثالث / محمد الهادي باي / محمد الناصر باي (1906-1922) / محمد الحبيب باي / أحمد باي الثاني / محمد المنصف باي (1942-1943) / محمد الأمين باي (1943-1957) وهو آخر بايات تونس.
استمر حكم البايات لمدة 252 عاما وانتهى بتأسيس الحكم الجمهوري في 25 جويلية 1957 عندما أصبح الحبيب بورقيبة أول رئيس للجمهورية التونسية .

* الحماية الفرنسية: نتيجة الأزمة الإقتصادية الحاصلة في الإيالة التونسية، عجز محمّد الصّادق باي على تسديد الديون المتخلدة بالذمة وخاصة لفرنسا مما أدّى إلى تكوين لجنة مالية دولية تسمّى الكومسيون في 1865 للتحكّم في الخزينة التّونسية وتوزيع مواردها على الدّائنين. وأمام الفكرة الاستعمارية التّوسّعية في أروبا تعلّلت فرنسا بحماية الحدود الجزائرية مع تونس واقتحمت البلاد التّونسية واحتلّتها بموجب معاهدة باردو في 12 ماي سنة 1881.

قام الفرنسيون بتغيير الهيكلة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في البلاد، بتطوير البنية التحتية، بإنشاء خطوط لسكك الحديد، بعث عدة بنوك، استخراج الثروات الطبيعية كالفوسفاط مع نقلها إلى خارج البلاد، كما استولى معمرون فرنسيون على الأراضي الفلاحية… إلا أن وتيرة الإحتجاجات بدأت بالظهور وبرز عدد من المثقفين والنشطاء السياسيين مدافعين عن حقوق التونسيين مِثل علي باش حانبة، البشير صفر، عبد العزيز الثعالبي، فرحات حشاد، محمد علي الحامي، صالح بن يوسف، المنجي سليم، مجموعة الفلاقة، الحبيب بورقيبة وغيرهم من أعلام ومناضلي الحركة الوطنية.

ونظرا لازدياد حدة الأزمات في المستعمرات، أُعطِيَ لتونس استقلالها الداخلي في 1954 من قبل رئيس مجلس الوزراء الفرنسي بيار منداس فرانس وعاد الزعيم بورقيبة من منفاه وتم الإعلان عن الاستقلال الكامل للبلاد التونسية في 20 مارس 1956 وانتهت بذلك حقبة الحماية التي دامت 75 عاما.
* دولة الاستقلال:
أحكَم الحزب الحر الدستوري الجديد هيمنته على أول مجلس تأسيسي في 25 مارس 1956 وفاز بأغلب مقاعده وبدأت سلسلة من الإصلاحات الجذرية في المجتمع التونسي:
في 25 جويلية 1957 اُلغِيَت الملكية وانتُخب بورقيبة كأول رئيس للجمهورية التونسية.
في أوت 1956 أُصدِرت مجلة الأحوال الشخصية التي ترتكز على السمو بمكانة المرأة في المجتمع التونسي وإيلائها قدرا من الأهمية يخولها الإرتقاء بقدراتها وإثبات ذاتها في عدة مجالات مع منع تعدد الزوجات ووضع مسار إجراءات قضائية للطلاق.
حلّت الأوقاف.
توحيد القضاء.
مجانية وإلزامية التعليم مع إدخال نظام التعليم الزيتوني الديني إلى التعليم العمومي.
تكوين الولايات والمعتمديات.
بعث الجيش الوطني وتونسة الأمن.
تونسة القطاع البنكي والقطاعات الاستراتيجية كالنقل والطاقة.
في سبتمبر 1958 تم إحداث البنك المركزي وصك عملة وطنية جديدة وهي « الدينار التونسي ».
في غرة جوان 1959 أصدر أول دستور للجمهورية.
تطوير قطاعات التعليم، الصحة، البنية التحتية، الفلاحة…
النهوض بالاقتصاد الداعم للمؤسسات المصدرة.
بداية من 1982 بدأت بوادر الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية تفرض نفسها داخل المجتمع التونسي وتم رفض مطلب ترخيص بعض أحزاب المعارضة وسجن قادتها مما أدى إلى احتقان كبير بين العامة وتتالت الإضرابات والتحركات الشعبية إلى أن قام « زين العابدين بن علي » الوزير الأول وأمين عام الحزب بالانقلاب على الحكم مستندا لعدم قدرة بورقيبة صحيا على مباشرة مهامه ولقدرته على حل كل المشاكل العالقة.
زين العابدين بن علي هو الرئيس الثاني للجمهورية التونسية من 7 نوفمبر 1987 إلى 14 جانفي 2011، اعتمد سياسات حذرة وأنشأ بعض البرامج، كالصناديق الاجتماعية، لمحاربة الفقر وتحسين مستوى العيش للطبقة الوسطى، كما حافظ على بعض ما جاء به الاستقلال من علاقات خارجية وإصلاحات على المستوى الفلاحي والاقتصادي.
إلا أنه ما لبث أن بدأت بوادر انغلاق سياسي تبرز في الأفق وقام بحظر للأحزاب المعارضة وكمَّم الأفواه وضرب بحرية التعبير عرض الحائط كما شوه المعارضين ونكل بهم.
زيادة إلى ارتفاع نسب البطالة وتوقف مجهودات الاستثمارات وزيادة كبرى في التهرب الجبائي والفساد المالي.
في السنوات اللاحقة ازدادت تجاوزات عائلة بن علي، زوجته وأصهاره وأصبحت القرارات الهامة لا تأخذ من قبل الوزراء بل من المقربين ومن خارج الحكومة. كما شملت سيطرتهم القطاعات المحورية للاقتصاد وعيّن مقربين له في أهم مفاصل الدولة ليضمن حصانة كامل مراحل حكمه.
ومع نهاية سنة 2010 و بداية 2011 عمَّت الإضرابات والاحتجاجات ربوع البلاد جابهها النظام بالقوة، وسقط الشهداء، لتروي دماؤهم أرض وطن لا يقبل الانحناء، وهرب بن على و عائلته تاركا وراءه شعبا يحاول الوقوف من جديد وتاريخ تونس العظيمة أكبر شاهد على ذلك.

Voir également

عيد الجلاء

عيد الجلاء / Journée d’évacuation يحتفل التونسيون يوم 15 أكتوبر من كلّ عام بعيد الجل…