مجلة الأحوال الشخصية التونسية

معلومات عامة عن مجلة الأحوال الشخصية التونسية:

* المحتوى: تتضمن مجلة الأحوال الشخصية مجموعة هامة من القوانين التَّقدميّة الحداثية.
* تاريخ الإصدار: بمقتضى الأمر العليّ (بمقتضى أمر من باي تونس) المؤرخ في 13 أوت 1956 المنشور بالرائد الرسمي عدد 66 بتاريخ 17 أوت 1956.
* دخولها حيز التنفيذ: 1 جانفي 1957،
* الهدف: هدفها الأساسي حداثي وتَقدمي، يرتكز على السُّموِّ بمكانة المرأة في المجتمع التونسي وإِيلائِها قَدرا من الأهمية يُخوِّلُها الإرتقاء بقدراتها وإثبات ذاتها في عدة مجالات. كما تعمل المجلة من خلال القوانين المنصوص عليها إلى تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة في التعليم والصحة والشغل التي لطالما حُرمت منهم، كما تمَّ إلغاء تعدد الزوجات ووَضْع مسار إجراءات قضائية للطلاق، كما أصبح لها رأي في تحديد زوجها المستقبلي مع اشتراط رضاء الزوجين لإتمام الزواج.

المرأة، في عيون رواد الإصلاح في تونس :

لطالما حضت البلاد التونسية وعلى مر عقود بشخصيات مؤثرة، ثاقبة الفكر، حداثية المنطق والتحليل وقد طرحت خطاباتها وكتاباتها قضايا محورية في البلاد التونسية تمس بصفة مباشرة مشاكل المجتمع أبرزها قضايا المرأة.

وقد تميزت تونس على سائر بلدان المنطقة العربية في ذلك، وانطلق المفكرون التونسيون في مسار إصلاحي مجتمعي كان سببا أساسيا في بلورة مجلة الأحوال الشخصية التي أحدثت الفارق وجعلت من البلاد التونسية في مصافي البلدان التي تُعنى بحقوق الإنسان لا سيما حقوق المرأة.

نذكر في هذا الخصوص كتاب « أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك » لخير الدين التونسي وهو أحد رموز الإصلاح بالبلاد التونسية وذلك قبل دخول الحماية الفرنسية لها، وقد صدر الكتاب سنة 1868.

وتبنى خير الدين التونسي في كتابه فكرة تدعو إلى إعلاء راية الحضارة الإسلامية والعمل على تقدمها والرفع من مكانتها من خلال فتح الآفاق وبناء تصورات جديدة لتكون أكثر  تحضراً وتزيل عنها الأفكار الرجعية التي تعود بها لعصور الظلمات والانحطاط .

وفي رسالته العلمية « تفتق الأكمام عن حقوق المرأة في الإسلام« ، روّج الشيخ محمد السنوسي لفكرة جديدة عن المجتمع وهي وجوب تعليم المرأة باعتبارها لبنة من لبنات المجتمع، فحاجة البلاد لامرأة متعلمة ومثقفة خير ألف مرة من امرأة مكبلة الفكر وتابعة.

ولا ننسى، الكتاب القيم للمناضل السياسي عبد العزيز الثعالبي الذي حمل عنوان « روح التحرّر في القرآن » الذي تضمّن الكثير من الأفكار الإصلاحية الدّاعية إلى النّهوض بالأمّة الاسلامية وإقامة الدّليل بأن الدّين الاسلامي هو دين حرّية وعدالة وتسامح. وأنّ الاسلام يدعم الحداثية والتقدم الفكري ويقاوم البدع والخرافات والأوهام. كما دعا في كتابه لبناء حياة اجتماعية لائقة وخاصة للمرأة وتحريرها من براثن الجهل والعادات المتخلفة.

وقد شارك كل من الهادي السبعي وسيزار بن عطار في ترجمته إلى اللغة الفرنسية ونشره سنة 1883 في الأوساط المثقفة في الغرب وفي البلاد التونسية .

في سنة 1930، نشر المُفكر والسياسي التونسي الطاهر الحداد كتابه « امرأتنا في الشريعة والمجتمع » جامعا فيه مجموع الأفكار التنويرية التي استقاها من أهم العلامة التونسيين كابن أبي الضياف، سالم بوحاجب، محمد بيرم الخامس وغيرهم. وكان كتابا متميزا سلط فيه الطاهر الحداد الضوء على قيم الإسلام السمحة التي تولي الاعتبار الذاتي للمرأة وترفعها مكانة مرموقة في الدين الاسلامي. وقد أثار فيه الحداد جملة من القضايا والأفكار العملية الواجبة اتباعها لتعليم المرأة، تهذيب ذوقها العام، تطوير أفكارها وتدريبها على الدفاع عن حقوقها والتحرر من القيود المكبلة لها.

المرأة التونسية عبر التاريخ :

وقد اقتَرنَ ذكر المَرأة التُّونسية على مر التاريخ بِجملة من الصفات والخصال فهي المؤسِّسَة كشخصية عليسة، مؤسسة قرطاج وبانية الإمبراطورية القرطاجية العظيمة. وهي الزعيمة الثائرة كشخصية الكاهنة، التي قادت ثورة البرابرة في المغرب الأوسط وإفريقية ضدّ الزحف العربي الإسلامي. هي المحاربة الفطنة، راجحة العقل والتدبير كشخصية الجازية الهلالية. هي المعطاءة، والمدافعة عن الفقراء والمساكين والفصيحة المتصوفة كشخصية السيدة المنوبيّة.

هي مُعتِقة العبيد و الأسرى التي حبّست جميع ممتلكاتها لصالح عدد من المشاريع الخيرية، منها انشاء مستشفي لعلاج الأمراض والعلل، هي الأميرة عزيزة عثمانة. وهي كذلك الأميرة الأغلبية، المدافعة عن كرامة المرأة، التي اشترطت في عقد زواجها اقرار الحق في تطليق نفسها إذا تزوج عليها زوجها بامرأة ثانية، وقد اقترن إسمها بالصداق القيرواني، وهي أروى القيروانية.

وهي طالبة العلم والمتفوّقة كشخصية أسماء بنت أسد بن الفرات وشخصية خديجة بنت الإمام سحنون.

كما كان للمرأة التونسية، صولات وجولات، وخاصة اللائي نهلن من مختلف المعارف والقیم، اللائي اختلطن بأهم رواد الفكر والإصلاح وتتلمذن على أيديهم.

وكان لكتاب الطاهر الحداد « امرأتنا في الشريعة والمجتمع » منذ صدوره، القبول الحسن في الأوساط النسوية بما طرحه من أفكار تنويرية تدعو لتحرير المرأة وتضعها في مصافي الرجال قيمة وقدرا.

فظهرت في الأوساط الفكرية التونسية، المرأة الكاتبة، الوطنية المناضلة، التي كرست نفسها لخدمة القضية الوطنية والتي تحدت جميع أشكال الظلم والقهر والاستبداد كشخصيات حبيبة المنشاري، منوبية الورتاني، بشيرة بن مراد وغيرهن الكثير.

هنَّ رموز بذلن الغالي والنفيس لتَعدِيل صورَة المرأة داخل المجتمع والمطالبة بتحريرها من أشكال الإقصاء والتبعية والجهل وتحفيزها لمزيد الصمود وإعلاء ذاتها وإنارة عقلها والدفاع عن حقوقها ومكتسباتها بشراسة دون الإخلال بواجباتها ومسؤولياتها تجاه أسرتها المصغرة وتجاه قيم المجتمع ككل.

صياغة مجلة الأحوال الشخصية التونسية:

لقد شارك العديد من كبار علماء جامع الزيتونة وشيوخ تونس في صياغة بنود وقوانين المجلة كالشيخ محمد الفاضل بن عاشور الذي كان عضوا بارزا في لجنة الصياغة، وتم استشارة كل من والده العلَّامة محمد الطاهر بن عاشور وسماحة مفتي الديار التونسية الشيخ محمد عبد العزيز جعيط فيما يخص الأحكام الشرعية للشريعة الإسلامية. وبين رافض ومُؤيد، تم الإتفاق أخيرا على بنود المجلة واعتُبِرت مجلة الأحوال الشخصية التونسية من أهم الإنجازات التي تحققت في عهد الوزير الأول أنذاك الحبيب بورقيبة والذي سعى جاهدا إلى تركيزها لتكون مَفخَرة للتونسيات في الوطن العربي ككُل ولضمان حُقوقِهن داخل المجتمع التونسي.

* من أبرز بُنود المجلة عند صدورها:
منع إكراه الفتاة على الزواج من قبل وليِّ أمرها واشتراط موافقتها العلنية لإتمام الزواج.
تحديد الحد الأدنى للزواج ب 17 سنة للفتاة و20 سنة للفتى.
فرض الصيغة الرسمية للزواج ومنع الزواج العرفي وتجريم المخالف.
إقرار المساواة الكاملة بين الزوجين فيما يتعلق بالطلاق (أسبابه، إجراءاته، تداعياته الأسرية والمجتمعية).
منعُ تعدد الزوجات ومُعاقبة كل مخالف بعقوبة جزائية.

للإطلاع على المجلة: رابط: http://wrcati.cawtar.org

اطلع أيضا على:

الطاهر الحداد

– لمحة عن تاريخ تونس

الحبيب بورقيبة

Voir également

عيد الجلاء

عيد الجلاء / Journée d’évacuation يحتفل التونسيون يوم 15 أكتوبر من كلّ عام بعيد الجل…